المجلس التأسيسي:مفهومه ومهامه





   


        

برزت عدة مفاهيم ومصطلحات منذ 14 جانفي ويكاد العقل التونسي ينفجر من كثرة الخلط بين تلك المفاهيم فتنادي الجماهير، في الشارع و في المقاهي وفي القصبة و "الفايسبوك"  و تطالب بحل الحكومة و بعث مجلس تأسيسي لصياغة دستور للبلاد يرقى لطموح الشعب في الديمقراطية و التعددية السياسية قوامه حكم الشعب للشعب.

وأكثرهم لا يفقه معنى ما يقول أو تفسيرا لما ينادي به.

والمعلوم أنه سيقع انتخاب  مجلس تأسيسي متفق عليه يمثل الشعب التونسي و يسهر على صياغة دستور يكون أساسه نظام ديمقراطي حق، وطريقا أمثلا لإكمال ثورة الأحرار.
 لكن تعددت الاستفسارات حول مفهوم المجلس التأسيسي وماهيته وشرعيته خاصة وأن المواطن التونسي-دون إجماع –لا يعي بعد هذا المفهوم ودوره في المرحلة الانتقالية لتونس الحرية رغم مناداته به في كل اعتصام وفي كل احتجاج وكل "زاوية"
نور برس رصدت مفاهيم وأراء عدة أطراف حول المجلس التأسيسي’من أحزاب و إعلاميين ورجال قانون ومواطنين وحكومة مؤقتة ...

كلمة الحكومة المؤقتة

أعلن الرئيس المؤقت للجمهورية التونسية فؤاد المبزع في بيان للشعب التونسي بتاريخ 3 مارس2011 إلغاء الدستور وإحداث المجلس التأسيسي ليضع دستورا جديدا للبلاد التونسية"
وهو ما أكده الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة المؤقتة في أول ظهور له  حيث أعلن عن بعث مجلس تأسيسي يدير شؤون البلاد و يُعدّ لدستور جديد لتونس الثورة استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة التي من المنتظر أن تجرى في آخر شهر جويلية المقبل
مؤكدا  أن المجلس يفيد"القطع نهائيا مع النص الذي أحدث المجلسين السابقين واعتماد الشرعية الدستورية كاللجوء إلى تنظيم وقتي للسلط العمومية

وكان  الوزير الأول في الحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي قد عقد لقاءا بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ،طرح فيه  عبد السلام جراد على الوزير الأول الاعتراف بالمجلس الوطني لحماية الثورة كسلطة تقريرية وحل البرلمان ومجلس المستشارين           و انتخاب مجلس تأسيسي يمهد لانتخابات رئاسية وكذلك منع أعضاء حكومة تصريف الأعمال من الترشح للانتخابات القادمة.
وقد تعددت أراء الأحزاب السياسية اليوم والبالغة إلى حد ألان 51 حزبا حول هذا الموضوع...
الأحزاب والمجلس التأسيسي

يعرف حزب العمال الشيوعي التونسي المجلس التأسيسي ب"برلمان ينتخب بالاقتراع الشرعي والمباشر من طرف الشعب وعادة ما يقع انتخاب مجلس تأسيسي إما لأول مرة في نظام لم يكن يتمتع فيه الشعب بحق التمثيل النيابي تماما أو بعد ثورة تكون قد عصفت بنظام قديم لم تكن فيه المؤسسة البرلمانية ممثلة ومطعون فيها.

وأكد الناطق الرسمي للحزب حمة الهمامي لنور برس في ندوة صحفية بتاريخ 21 فيفري 2011 أن "انتخاب المجلس التأسيسي تجري عامة دون الاعتماد على القوانين الموجودة  فيقع تجميد تلك القوانين أو إبطال العمل بها وتتولى هيئات الحكم المؤقتة(المجلس الوطني لحماية الثورة’الحكومة المؤقتة ...) وضع أحكام قانونية لتنظيم الانتخابات (قانون انتخابي مؤقت)يضبط شروط الترشح والانتخاب والحملة الانتخابية ونظام التصويت والفرز والإعلان عن النتائج وتاريخ إجراء الانتخابات..."

أما سمير الطيب ممثل حركة التجديد  قد أكد في لقاء للحركة  بتاريخ  21 مارس الفارط أن " الترشحات تقدم على أساس مبدأ التناصف بين المرأة والرجل على أساس التناوب وهذا أمر مهم كما تم تفعيل مطلب تجريم التزوير والفساد الانتخابي ونحن نطالب بذلك منذ سنة  2007 واليوم هناك باب كامل في المرسوم الانتخابي يتعلق بهذا الشأن وهو شيء مهم وايجابي.

لكن طريقة الاقتراع الفردي تخدم الشخصيات المحلية وهم فئة حاول بورقيبة  القضاء عليها سابقا و نحن نعتبر أن طريقة الاقتراع  هذه تعتبر خطرا على تونس وعلى مكاسب تونس الحداثية وحسب بعض الفقهاء فان على عكس ما يعتقد البعض فان تلك الأصوات ستذهب للنخب المحلية وليس للمواطنين".

وذكر مصطفى بن جعفر الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات لدى افتتاحه مقر الحزب بأريانة أن "انتخاب مجلس وطني تأسيسي يوم 24 جويلية المقبل يعد فرصة لطي صفحات من الاستبداد والمظالم والتقدم بثبات نحو مستقبل أفضل قائم على العمل والمثابرة لتحقيق أهداف الثورة.

وفي حوار سابق بإذاعة  موزايك أف أم حول طريقة انتخاب المجلس التأسيسي أبرز كل من مي الجريبي الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي و علي العريض عن حزب النهضة 
و محسن المرزوقي مستقل عن إمكانية إقرار المجلة الانتخابية عن طريق القوائم و النسبية.

كما أكد الجميع على أهمية توازن هذا المجلس و دوره و أهدافه
واقترح بعض الأعضاء المستقلين بالهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة  أن يتم عرض مشروع الدستور الذي سيعتمده المجلس الوطني التأسيسي على الاستفتاء الشعبي العام وان تنص ديباجة مشروع المرسوم المتعلق بانتخاب هذا المجلس على ذلك إلى جانب تحديد سقف زمني لعمل هذا المجلس يتراوح بين سنتين وثلاث سنوات.

وعبر مؤسس الحزب الاشتراكي اليساري محمد الكيلاني لدى افتتاحه أشغال المؤتمر الأول للحزب بالعاصمة عن رفضه لتأجيل الموعد الانتخابي للمجلس التأسيسي مؤكدا أن ذلك   لا يخدم المصلحة الوطنية وذلك بالنظر إلى الوضع غير الشرعي الذي تعيشه البلاد وعلل الكيلاني أسباب ذلك " بالخوف من المناورة والافتكاك والالتفاف حول ثورة الشعب من قبل قوى وصفها بالمغامرة" و لمح إلى أن تأجيل موعد جويلية يليه شهر أوت والذي سيتوج بشهر رمضان وهو ما سيفتح الباب أمام أطراف لاستغلال المنابر الدينية للترويج إلى سياستها.


 وبما أن للإعلام دور ريادي في تحقيق التنمية السياسية والارتقاء بالوعي الجماعي والمساهمة في مراقبة وبناء منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة رصدنا أراء  بعض الصحفيين حول المجلس التأسيسي...

النظرة الإعلامية

المجلس التأسيسي هو الهيكل الذي يقوم مباشرة بعد سقوط نظام ما"هكذا بدأت سيدة الهمامي  (صحفية بإذاعة موزاييك ورئيسة الهيئة التأسيسية للجنة الصحفيين الشبان) تعريفها للمجلس مضيفة أنه"يؤسس لبناء نظام جديد من خلال وضع دستور جديد ولتونس تجربة سابقة في الخمسينات إبان الاستقلال عندما تم انتخاب مجلس قومي تأسيسي وضع دستور 1959" مؤكدة أنه الهيكل الذي سيسير البلاد حتى إتمام مهمته الرئيسية أي إعداد دستور البلاد وتنتهي مهمته بعد تحضيره للانتخابات الرئاسية والتشريعية"


أما هدى بن مسعود (صحفية معطلة عن العمل)فتقول "هي تجربة عرفتها تونس سابقا في التحضير للدستور الأول سنة 1959 .وهو مجلس يجب أن تتوفر فيه الشرعية ويتولى وضع الدستور الجديد الذي يمثل القانون الأساسي لنظام الحكم الجديد وبقية القوانين الاخرى المنظمة للحياة العامة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية"


والمجلس التأسيسي هو "المشروعية الشعبية" بالنسبة لرمزي الغابري(صحفي) فعلى أساس هذه المشروعية"يقع تمثيل الشعب بكافة مكوناته المدنية والساسية والهيكلية بهدف إقامة النواميس والقوانين المنظمة لبناء الدولة وتهم أساسا الدستور هذه الوثيقة هي المرجع لسن القوانين وتنظيم سير دواليب الدولة في إطار إرساء مبدأ الحق والواجب من أجل التعايش السلمي واستمرارية الدولة"

المفهوم القانوني : مرآة لحزم الثورة

قدم ثلة من المحامين وعددهم 25 وثائق مدونة وموثقة  أمام العدالة  وضمنت بالملف الصحفي للندوة الصحفية المنعقدة بتاريخ 02-04- 2011 بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين واحتوت إحدى الوثائق على ما جاء في  الفصل 18 من الدستور التونسي وينص على أن الشعب يمارس السلطة التشريعية بواسطة مجلس نيابي ينتخب أعضاؤه عن طريق  الاقتراع الحر والمباشر...

وهو ما أكده المحامي رياض الطرابلسي مضيفا أن" دور هذا المجلس هو الإعداد لدستور تونسي جديد ينطلق معه مفهوم الجمهورية الثانية ويتضمن مبادئ تسيير الشأن العام والحكم ويجب أن يكون مرآة لحزم الثورة في القطع مع التداخل بين الأحزاب والسلطة ومؤسسات الدولة وتكريس مبدأ الفصل بين السلط واستقلالية القضاء وتحديد وسائل ضمان عدم الإقصاء مهما كان نوعه وضمان الحريات العامة والفردية"

ومن مهام المجلس أيضا "صياغة الحكم في تونس وهو إشكال مطروح حيث أن المجتمع التونسي له الحق في إعادة النظر في النظام في تونس مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية المجتمع التونسي العربي الذي سبق وجرب النظام الرئاسي وانزلقت مارسته غلى نظام رئاسوي منحرف يكرس السلط في يد رئيس الجمهورية في ظل غياب تام للممارسة الديمقراطية ’لذا لا بد من إعطاء الأولوية للمؤسسة على حساب الشخص"
كما ذكر محدثنا أن شرطان أساسيان  يجب أن يتوفرا في المجلس التأسيسي وهما الشرعية: باعتباره يعكس إرادة الشعب ولا يمكن تزوير هذه الإرادة من خلال مجلس غير شرعي.

أما بالنسبة لشرط التمثيلية فيعني أن المجتمع التونسي متنوع وغني فكريا وايديولوجيا وسياسيا ولا بد من احترام هذا التنوع من خلال التمثيلية للمجلس التأسيسي"
وتجدر الإشارة إلى ضرورة التفرقة بين مفهومي المجلس الدستوري والمجلس التأسيسي فمن خلال تحقيقنا تبين أن هناك خلط في المفاهيم فالمجلس الدستوري: يتم تعيين أعضائه من قبل الحكومة و تنحصر مهامه في تنقيح الدستور وإدخال تعديلات عليه، أما المجلس التأسيسي: فهو مجلس منتخب من قبل الشعب يوقف العمل بالدستور الحالي و يتولى صياغة دستور جديد للبلاد ..

نبض الشارع

يتكون المجلس التأسيسي حسب  إلياس (ممرض) من كلمتين: مجلس وتأسيسي فهو تأسيسي لأنه سيؤسس لنظام جديد. وهو مجلس، لأنه يتكون من عدد من المواطنين المنتخبين يمثلون كل الفئات وكل الحساسيات السياسية والنقابية والشبابية والحقوقية والثقافية والنسائية وحتى الأمنية والعسكرية إذا تطلب الأمر ذلك. كما أن الجهات يجب أن تكون ممثلة في هذا المجلس من خلال ممثلين جهويين.

أما أنيس(موظف)فيقول "عبارة عن برلمان كبير يمثل كل الشعب التونسي بمختلف فئاته وتوجهاته. ويستمد هذا المجلس شرعيته من كون كل المنتمين إليه منتخبين وممثلين لذلك فلهم كل الصلاحيات للخوض في كل المسائل التي تهم البلاد.

كما يمكن لأعضاء هذا المجلس استشارة المواطنين والاستماع لآرائهم مباشرة أو من خلال ما يقومون به من تظاهرات وتحركات. وتتوج أعمال هذا المجلس بسن دستور جديد للبلاد سيعكس التوجهات العامة لأعضائه المنتخبين وها نحن ننتظر...


وقد أثارحافظ(طالب) عدة تساؤلات "قالوا أنه بحل الحكومة وتعليق الدستور الحالي فلابد من انتخاب أعضاء المجلس من قبل الشعب فيعين الشعب من يصوغ دستوره لكن لا نعلم من يسهر على تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي؟وما شروط الترشح لعضوية المجلس؟ومن يضع شروط الترشح لعضوية المجلس؟لنفرض أننا، بقدرة قادر، حللنا مشكل التنظيم (سلكناها!!)... من يمكنه الترشح لعضوية المجلس التأسيسي؟ أيجب أن يكون عضوا في حزب؟ في جمعية؟ أيمكنني أنا كمواطن عادي، لا أنتمي لأي حزب أن أترشح؟ كم عدد أعضاء المجلس؟ 5؟ 10؟ 50؟من سيضع القواعد التنظيمية لانتخابات المجلس التأسيسي؟ من سيضع قواعد الترشح و شروطه؟ من سيحدد عدد أعضائه؟ من له الشرعية للتضلع بهاته المهمة؟
وقد اكتفى  عدة مواطنين كانت نور برس قد قامت باستفسارهم حول الموضوع بقول "لا أعلم" أو " تعددت المفاهيم والمصطلحات ونحن لا نعلم معناها و الفرق بينها بعد"
...ومن النصوص القانونية

استنادا إلى بعض المراجع الدستورية والتشريعية والترتيبية الأساسية يعرف الحزب السياسي طبقا للقانون عدد 22 لسنة 1988 المؤرخ في 03-05-1988 والمتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية أنه"كل تنظيم سياسي بين مواطنين تونسيين تربطهم بصفة مستمرة ولغير هدف الكسب مبادئ وأراء وأهداف سياسية ينشطون في نطاقها وذلك قصد المساهمة في تأطير المواطنين وتنظيم مساهمتهم والمشاركة في الانتخابات والعمل في نطاق الشرعية الدستورية والقانون.

وجاء في المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي والمنبثق عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أن أعضاء التأسيسي ينتخبون انتخابا عاما حرا مباشرا وسريا وفق مبادئ التعددية والنزاهة والشفافية.وتتولى هيئة عليا مستقلة للانتخاب الإشراف والرقابة على العملية الانتخابية ويضبط أمر تركيبتها ومهامها وفروعها

وجاء في نفس المرسوم ضبط لطريقة الاقتراع حيث يقع انتخاب أعضاء المجلس عن طريق الاقتراع على الأفراد بالأغلبية في دورتين ويتم التصويت حسب الدوائر الانتخابية.
 وتعين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قائمة ومواقع مكاتب الاقتراع لكل بلدية أو عمادة ويعلن عنها لعموم الناخبين بواسطة إعلانات تعلق بمراكز الولايات والمعتمديات...وذلك مدة سبعة أيام على الأقل قبل الاقتراع.

هذا وتودع قائمة الناخبين طبقا للمرسوم بمقر البلدية أو المعتمدية ومن حق كل ناخب الاطلاع عليها ويقع نشر هذه القائمة على الموقع الالكتروني للهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتي تتولى بدورها الإعلان بواسطة وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والمرئية عن حلول وانتهاء أجل التعليق والطعون طبقا للأحكام الواردة بالنص.
وتتولى الهيئة العليا الإعلان عن النتائج النهائية بعد الاطلاع على الطعون وذلك في قرار ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية .

ونذكر كذلك قانون عدد 57 لسنة 1959 مؤرخ في 25 ذي القعدة 1378 وفي أول جوان 1959 في ختم دستور الجمهورية التونسية وإصداره وفيه "باسم الشعب نحن الحبيب بورقيبة، رئيس الجمهورية التونسية، بناء على الأمر المؤرخ في 14 جمادى الأولى 1375 (29 ديسمبر 1955) المحدث للمجلس القومي التأسيسي وعلى قرار المجلس القومي التأسيسي المؤرخ في 26 ذي الحجة 1376 (25 جويلية 1957) وبعد أن صادق المجلس القومي التأسيسي ، أصدرنا دستور الجمهورية

حاولنا تقديم مفهوم مبسط للمجلس التأسيسي حتى نجيب عن استفسارات الشارع التونسي ونمده بالمعلومة الشافية فالتغيير والتطهير والبناء والتشييد يتطلب الوقت والعمل والجد والصبر والتروي...وعهد ما بعد الثورة تنتظره تحديات كبيرة .

فقد تكون معركة التخلص من النظام والإطاحة به قد انتهت لكن مرحلة أهم قد بدأت وهي مرحلة البناء وليست إعادة البناء لأن الشعب التونسي يحاول محو ماض من الدكتاتورية رافقه منذ البداية وصياغة مستلزمات وشروط للديمقراطية
من إعداد : نجوى الهمامي